أصدر البنك الدولي تقريرًا حول الآفاق الاقتصاديّة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان – تشرين الأول 2025 تحت عنوان “الوظائف والنساء: مواهب غير مستعملة ونموّ غير محقق” والذي ناقش فيه أهميّة زيادة نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في المنطقة لتحسين مستويات المعيشة.
علّق التقرير أن المنطقة في وضع حرج في ظلّ التقلّبات الاقتصاديّة العالميّة وحالة عدم اليقين المستمرّة في المنطقة والهشاشة والتحوّل الديموغرافي الشامل.
وبحسب البنك الدولي، تحسّنت النظرة المستقبليّة لغالبيّة دول المنطقة منذ صدور نسخة نيسان 2025 من التقرير ولكنها لا تزال متفائلة إنما بحالة حذر حيث إنه من المتوقع أن يبلغ نموّ الناتج المحلّي الإجمالي 2.8 % في العام 2025 و 3.3 % في العام 2026 مقارنةً بنسبة نمو مقدّرة بـ 2.3 % في العام 2024. أما لجهة دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كشف التقرير أنه من المتوقع أن تتحسّن نسبة النموّ الاقتصادي من 2.2 % في العام 2024 إلى 3.5 % في العام 2025 و 4.4 % في العام 2026 بسبب قيام أوبك+ بإنهاء مرحلة خفض الإنتاج بشكل تدريجيّ إضافةً إلى التوسّع القويّ في القطاعات غير النفطيّة.
أمّا لجهة الدول النامية المصدّرة للنفط في المنطقة، فأشار التقرير إلى أن “آفاق النموّ خجولة مع توقعات أن تتراجع معدلات النموّ الاقتصادي من 2.5 % في العام 2024 إلى 0.5 % في العام 2025 و 0.8 % في العام 2026 نتيجة الاضطرابات الناتجة عن النزاعات والتعديلات في إنتاج النفط.
أمّا بالنسبة للدول النامية المستوردة للنفط في المنطقة، فقد قدّر البنك الدولي أن ترتفع معدّلات النموّ من 2.2 % في العام 2024 إلى 3.7 % في العام 2025 بسبب زيادة الاستهلاك الخاصّ والنشاط الاستثماري كما والتعافي في قطاعات الزراعة والسياحة والإصلاحات الماكرو اقتصاديّة والمساعدات من الخارج، معلّقًا أن بعض الاقتصادات لا تزال تعاني من تبعات الصدمات الطبيعيّة والولوج المحدود للتمويل الدولي، مؤكّدًا هشاشة المنطقة أمام الصدمات.
وقد أشار التقرير إلى أنه على الرغم من “أن آفاق النموّ في المنطقة تحسّنت لتتماشى مع النمط العالميّ فلا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان تعاني من النزاع في المنطقة وتصاعد معدّلات الفقر والنزوح الداخلي الكبير للأفراد”.
ولكن التقرير علّق أن التغيّرات في أسعار النفط من شأنها أن تؤدّي إلى توقعات نموّ عالية وخاصةً بين الدول المصدّرة والتي تشكّل حوالى 70 % من الناتج المحلّي الإجمالي في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن “المنطقة تقف في وسط التحدّي العالمي للوظائف حيث إن نسبة النموّ في السّكان الذين هم في سن العمل قد تخطّت عدد الوظائف الجديدة، إذ إنه من المتوقع أن يزيد عدد السّكان الذين هم في سن العمل بحوالى 220 مليون شخص خلال الـ 25 سنة المقبلة، أي نسبة ارتفاع بحوالى الـ 40 %”.
وقد ذكر التقرير أن الزيادة السريعة في عدد السّكان الكبار بالسن ضمن المنطقة سوف يكون لها تأثير على نموّ الناتج المحلّي الإجمالي والماليّة العامّة وأنظمة الحماية الاجتماعيّة.
في هذا الإطار، يشير التقرير إلى أن الحلّ الوحيد لعكس هذا الاتجاه هو تعزيز مشاركة النساء في سوق العمل.
بالتفاصيل، أشار التقرير إلى أنه على الرغم من عقود من الاستثمارات في التعليم حيث أصبح عدد النساء في المنطقة اللواتي تسجّلن وتخرّجن من المدارس يوازي أو يتخطّى عدد الرجال، فإن متوسّط نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في المنطقة لا يزال من الأدنى في العالم.
وقد أضاف التقرير أن 1 من 5 نساء في سن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان تشارك في سوق العمل بغض النظر عن مدخول البلد.
وقد أشار البنك الدولي إلى أن نسبة مشاركة النساء المنخفضة تشير إلى عدد من القيود المتشابكة.
بالتفاصيل، ذكر التقرير عوائق كالمعايير الاجتماعية المقيّدة وقوانين لا تراعي المساواة ما يحدّ من رغبة وقدرة هؤلاء النساء على العمل.
في إطاٍر متصل، أشار التقرير إلى أن عدّة بلدان في المنطقة لا تملك بنودًا في قوانينها لرعاية تساوي الأجر والعمل المرن والتنقل الآمن والحماية من التحرّش، حيث إن النساء في تلك البلدان غير قادرات على الحصول على وظيفة بالشروط نفسها للرجال في عدّة حالات.
وقد أضاف التقرير أن القطاع العام يجذب نساء ذوات مهارات مرتفعة، وبالتالي يتمّ تفضيله على ريادة الأعمال والمهن في القطاع الخاص.
وبحسب التقرير، فإن هذه العوامل تزيد من اللامساواة في فرص الدخول إلى القوى العاملة وترفع نسب البطالة ضمن النساء اللواتي يتقدّمن إلى وظائف ونسبة النساء العاملات في القطاع العام إضافةً إلى فروق الأجور الكبيرة بينهنّ وبين الرجال.
في هذا الإطار، علّق التقرير أن الحلول الجزئيّة غير كافية وأنه يجب تحضير نهج سياسي لمواجهة كافة العقبات حيث يعمل القطاع الخاص كالمحرّك الرئيسي لخلق الوظائف كونه الحلّ الأنسب.
بالتفاصيل، ذكر التقرير أن أيّ مشروع إصلاح في هذا الإطار يجب أن يأخذ المعايير الاجتماعيّة للمنطقة والتأكّد من تصحيح أيّ مفاهيم خاطئة حول المساندة المجتمعيّة لعمل النساء والتي قد تزيد طموحات الرجال والنساء (كما والتخفيف من ردّات الفعل العنيفة والحفاظ على التغيير) ومشاركة النساء في وظائف غير تقليديّة والتدخلات لجعل الدور الاقتصادي للنساء أمرًا طبيعيًّا…
وبالتالي، أضاف التقرير أن البلدان التي تعاني من تلك القيود الاجتماعيّة القاسية قد تجد الوظائف عن بعد والمنصّات الرقميّة كوسائل لتحقيق التقدّم على المدى القصير في حين أن التقدّم على المدى الطويل قد يتمّ من خلال بذل الجهود لتحقيق تغييرات أساسيّة.
من منظاٍر آخر، ذكر التقرير أن الإصلاحات القانونيّة وتطبيقها الموثوق هما أساسيّان لتحقيق نهج سياسي ناجح من خلال سنّ وتطبيق قوانين تؤكد التساوي في الأجور بين الجنسين إضافة إلى بنود واضحة لمكافحة التمييز والتحرّش كما وحماية مواضيع التوظيفات والترقيات والفصل من العمل بالإضافة إلى إزالة القيود القديمة المتعلّقة بالتفريق بين الجنسين والقيود على المهن المسموح بها وساعات العمل والتنقل مع السماح بالعمل المرن.
وقد أضاف التقرير أن الاستثمارات لتحسين الأمن والثقة ونطاق تغطية وسائل النقل العامّ قد تحسّن فرص العمل للنساء والحفاظ عليها.
وذكر التقرير أيضًا أن تحقيق توازن بين مؤسّسات القطاع العامّ والخاصّ قد يزيد ضغوطات التنافس وبالتالي يزيد كلفة التمييز لدى التوظيف.
وكشف البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان غير قادرة على استخدام مواهب النساء بشكل جزئي كون زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة ضروريةً للنموّ وللمرونة تجاه التغيّر الديموغرافي القريب.
الوضع اللبناني
في ما يتعلّق بلبنان، فلا تزال البلاد تعاني من ضعف في الماليّة العامّة وفي تأمين الخدمات الأساسيّة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الراهنة.
وأشار التقرير إلى أن الحرب الأخيرة في لبنان قد فاقمت المشاكل الإنسانيّة والاقتصاديّة، ما أدّى إلى نزوح حوالى الـ 1.2 مليون شخص وعدد كبير من الوفيّات.
وكان قدّر البنك الدولي الأضرار الماديّة الناجمة عن النزاع عند حوالى 6.8 مليارات د.أ. في نهاية العام 2024 والخسائر الاقتصاديّة عند 7.2 مليارات د.أ. واحتياجات التعافي وإعادة الإعمار عند حوالى 11 مليار د.أ.
وقد علّق التقرير في هذا الإطار أنه على الرغم من هذه العوائق، فقد تمكّن لبنان من تحقيق تقدّم ملحوظ على الصعيد السياسي لا سيّما مع إنهاء فراغ سياسي دام سنتين مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتشكيل حكومة جديدة في بداية العام 2025.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم التقدّم في الإصلاحات في انتعاش الحركة السياحيّة في شهري تموز وآب 2025 بمساندة النموّ في البلاد مع توقعات باستمرار هذه الوتيرة في العام 2026.
وتوقع التقرير أن يسجل الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي في لبنان نموًّا بنسبة 3.5 % في العام 2025 و 4.0 % في العام 2026 مقارنةً بانكماش اقتصادي مقدّر بنسبة 7.1 % في العام 2024.
بالإضافة إلى ذلك، ذكر البنك الدولي أن مؤشر تضخم الأسعار انخفض بنسبة 14 % على أساس سنوي خلال شهر تموز العام 2026.
يتوقع البنك الدولي أيضًا أن يتحسّن نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد إلى 2.7 % في العام 2025 (في ظل المحافظة على استقرار سعر الصرف منذ شهر آب 2023 مع توقعات أن تنخفض نسبة التضخم إلى ما دون الـ 10 % في عام 2025 بانكماش بنسبة 7.6 % في العام 2024) وإلى 3.1 % في العام 2026.
وتوقع البنك الدولي أن يصل العجز في الحساب الجاري إلى 15.8 % كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2025 وإلى 16.1 % كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2026 مقارنةً مع نسبة 22.2 % في العام 2024.
كذلك، تشير توقعات البنك الدولي إلى تصفير في العجز في الموازنة في عامي 2025 و 2026 مقابل فائض نسبته 0.5 % من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024.
وكشف التقرير أيضًًا أن معدّلات الفقر في لبنان ارتفعت بسبب فقدان الأسر قدراتها الشرائيّة خلال فترة الأزمة الاقتصاديّة.
بالأرقام، فإن نسبة السّكان الذين يعيشون دون خطّ الفقر على ارتفاع دائم حيث إن نسبة الأفراد الذين يكسبون أقلّ من 3.0 د.أ. يوميًّا زادت من 0.1 % في العام 2013 إلى 5.9 % في العام 2023، في حين أن نسبة الأفراد الذين يكسبون أقل من 4.2 د.أ. يوميًّا ارتفعت من 0.3 % إلى 16.0 % ونسبة الذين يكسبون أقل من 8.3 د.أ. يوميًّا زادت من 5.5 % إلى 50.7 % في الفترة نفسها.