صبي القجّة” لجورج يرق رواية للناشئة
ليت المدارس تلفتُ الطلّاب إليها
تحت هذا العنوان، نُشر في “النهار”، اليوم، مقال عن روايتي “صبي القجة” كتبه، مشكورًا، الأستاذ موريس بيطار، الذي لا أعرفه شخصيًّا، وأتطلع إلى التعرّف به.
شكرًا إلى “النهار” التي حضنت مقالاتنا ذات حقبة عن كتب الآخرين، وها هي، في هذه الحقبة، تحتضن مقالات تتطرق إلى كتبنا.
في ما يلي، مقال موريس بيطار نصًا ورابطًا.
انتشرت في الصيف الماضي على مواقع التواصل وبعض وسائل الإعلام قصة تبرّع الفتى الصيداوي المريض بداء السرطان بمدخرات قجته إلى مريض فقير تولت حملة “كتاب وقمح” جمع تكلفة استشفائه، وقد عُرف الفتى المتبرع إعلامياً بـ”صبي القجة”. هذه الحكاية الملأى بالعبر في زمن الضيق الذي يعيشه اللبنانيون، لم يتوقع أحد ممن تابعوها أن تتحول يوماً رواية بقلم جورج يرق متبنيةً لقب الفتى نفسه عنوانًا لها. وريعها يعود، على غرار رواية “موت متواصل” للكاتب نفسه، إلى مرضى الفشل الكلوي والسرطان.
وليس غلوا القول إن يرق هو أوّل روائي في لبنان والعالم العربي، على حد علمي، يتبرع بمردود روايته السابقة كاملًا إلى المرضى، وكان قد طبعها على نفقته، أما الرواية التي نحن في صدد الإضاءة عليها، ها هنا، فهي باكورة منشورات “كتاب وقمح” التي هي أيضًا الجمعية الوحيدة المكرسة عملها التطوعي لهدفين اثنين هما دعم الكتاب الورقي والتشجيع على القراءة ومساعدة المرضى من مردود الكتب التي تبيعها بأسعار رمزية في مراكزها المنتشرة في غالبية المناطق.
تنتمي “صبي القجة” إلى أدب اليافعين، أو الناشئة. لم يأخذ يرق من الحكاية الواقعية سوى الفكرة، فتى تبرع بما جمعه من عمله الصيفي ليشتري به بيسكليت، وبنى عليها رواية من 182 صفحة قطعاً وسطاً. فقد جعل الراوي فتى يتمتع بصحة جيدة يشتغل في دكانة الحي التي يملكها صديق أبيه. هذا الفتى نشط وقارىء جيد ويحب الايجاز في كل شيء ويستغرب كيف أن شقيقته تستطيع قراءة رواية من خمسمئة صفحة. بناء هذه الشخصية لافت، فلم يَشِبْه ما يهدد تماسكه في جميع الأدوار التي تولاها، ابنًا مطيعًا لوالدته يقف على خاطرها لدى اتّخاذ القرارات المتعلقة به، وشغيلًا وفيًّا مخلصًا لصاحب الدكانة أبي فضّول، وقارئًا لأربعة من زبائن الدكانة مؤلفاتٍ يستلّها من رفّ عائد إلى حملة كتاب وقمح، وجوالًا بمكتبة على ظهره يبيع إلى العُجُز والمقعدين من أهل القرية كتبًا يعود ريعها إلى مساعدة المرضى الفقراء.
يستضيء الروائي يرق بالقاعدة التي يقوم عليها الفن الروائي.
فهو لا يرسل الأمثولة إلى قارئه مباشرةً بل يجعل القارئ يستخلص هذه الأمثولة من الواقعة الموصوفة. للمثال، إقبال الفتى الراوي على مساعدة كلب جريح من خلال الاتصال بسيدة متعاونة مع جمعية تهتم بالحيوانات المتشردة، أو تجواله بمكتبة صغيرة على ظهره ليُتاح للمقعدين والمرضى الذين لا يستطيعون مغادرة البيت الحصول على كتبهم المفضلة، أو قراءته كتبًا لأربعة من زبائن الدكانة بناء على طلبهم مقابل أجر تشجيعي…
وثمة أمثلة كثيرة غير هذه، ويندر أن يخرج القارى من دون عبرة بعد كل صفحة يقرأها. من تلك العبر: هنالك أناس يحبون الانتقاد لمجرد الانتقاد لأن نجاح الآخرين يكشف فشلهم. جرّبوا أن تعطوا فقيرًا بعضًا من النقود واختبروا المتعة المتأتية من فعل العطاء. كل شيء في البداية لا يخلو من الصعوبة.
وذروة الأمثولات تتجلى في الصداقة القائمة بين زيّان ورفيق طفولته يوسف بعدما يمرض هذا بالسرطان ويغدو طريح الفراش. فيكرّس الأوّل وقتًا من نهاره لصديقه قارئًا له رواية يحبها، ملطفًا مزاجه، رافعًا معنوياته، رافضًا أن يتركه وحده في معاناته.
في غمرة الروايات المنقولة إلى العربية، والتي تتوجه إلى الناشئة، وغالبيتها لا تمت بصلة إلى مجتمعنا وتقاليدنا، تنقل “صبي القجة” صورًا حية من واقعنا: تفجير المرفأ وتدمير ثلث العاصمة، وقفات احتجاج أهالي الضحايا، سرقة ودائع الناس، ارتفاع أقساط المدارس وأسعار الكتب، موت المرضى الفقراء على أبواب المستشفيات، فقدان أدوية الأمراض المستعصية واحتكارها بغية بيعها بثمن مرتفع…
ذلك كله في نص سردي شائق جذاب بديباجة لغوية متينة تراعي أصول النحو والصرف. ليت إدارات المدارس تلتفت إلى هذه الرواية وتدرجها في قائمة الكتب التي تقترحها على طلابها للقراءة، لأنها جديرة بأن تكون بين أيْديهم. وأضمّ صوتي إلى صوت هالة الهيبي التي كتبت في صفحتها بفسبوك تعليقًا على الرواية مناشدةً المخرجين “اقرأوها وهاتوا لنا مسلسلًا”.