كارثة بيئية: مافيا لقطع الأشجار بين البترون وجبيل تطكال املاك المغتربين
تطال ايضا املاك المغتربين :
احتيال على التراخيص وتغطيات وتدخلات
أكبر مافيا لقطع الأشجار بين البترون وجبيل
(عن السفير)
لم تــــعد قضية التحطيب والتفحيم عمل الحطابين والفحامين دون سواهم. فـــهؤلاء كانوا الاعلم في حمـــاية الغـــابات والاحراج والاكثر حرصا على حياتها، لأنهم يعرفون كيـــف يتعاملون معها، ولأنهم يعيشون منـــها ويحافظون على استدامتها. الا ان المشكلة والمشـــهد في لـــبنان قد تغيرا كليا في الـــسنوات الاخيرة، بعد ان سيطرت المافيات على هذا القطاع بدل اصحاب الكار. فهؤلاء الســـماسرة والتجار لا يعرفون كـــيف تعيش الاحراج ولا يهتــمون لاستــدامتها. يحـــتالون على اصحاب الاراضي وعلى الــــقوانين، يضعـــون يدهـم على امـــلاك الغير، وخصوصا امـــلاك الاوقـــاف والمغـــتربين… وكل هــدفهم الضربات السريعة والربح السريع على حساب حقوق الغير والاحراج والبيئة. آخر المجازر المرتكبة، في احراج البترون وجبيل.
فما الذي يحصل في هذا القطاع؟ وما هو حجم الاضرار والافادات غير المشروعة؟ وكيف تحصل عمليات الاحتيال والقطع والاستباحة؟ وماذا في محاضر التحقيق؟ وما هي المقترحات لتحاشي مثل هذه المجازر البيئية المستدامة؟
احتفلت بلدة مسرح البترونية مساء السبت الماضي بعيد شفيعها مار جرجس وسط رائحة المشاحر بدلاً من رائحة البخور، وطغت نيران الفحم على أنوار الشموع المضاءة على نية مستقبل زاهر أخضر سقط ضحية المجازر البيئية.
فبلدة «مسرح» البترونية تشكل مسرحا لمجازر بيئية واعتداءات قضت على مساحات واسعة من الاشجار الحرجية، وقد تمادى الجناة بقطع اشجار يعود عمرها الى مئات السنين من دون علم اصحاب العقارات الذين بين ليلة وضحاها اكتشفوا ان أرضهم اضحت جرداء خالية من الاشجار التي كان الفضل في صمودها للأحداث اللبنانية التي حولت البلدة الى خطوط تماس زنرتها بالألغام.
هذه اللوحة الخضراء جذبت اليها المافيا العاملة في قطع الاشجار والتفحيم. مسرح الجريمة لا يقتصر على بلدة مسرح وجوارها فحسب، بل يتخطاها الى خراج بلدات في قضاء جبيل. تمتد الأحراج التي تم ويتم قطعها من بلدة فغال الجبيلية والمطلة على الوادي الفاصل بين قضاءي جبيل والبترون وصولا الى بلدة صغار في مساحات تعود لدير ميفوق التابع للرهبانية اللبنانية المارونية. وتقدر الكميات التي تم قطعها بـ1200 طن من الحطب.
والغريب في الموضوع ان الجناة يدعون ان دخولهم الى الاراضي حصل عن خطأ في تحديد المساحات التي حصلوا على ترخيص لتشحيل شجرات السنديان فيها وتفحيم الحطب، علما ان اصحاب الاراضي رفضوا تضمين أرضهم ولو بأسعار عالية ليفاجأوا لاحقا باجتياح واسع لأراضيهم!
فالعاملون في قطاع التفحيم يحصلون على تراخيص للتشحيل والتفحيم في اراض معينة ويدخلون الى عقارات مجاورة بحجة أنهم يجهلون حدود العقار المضمّن. يستحصلون على رخص «تشحيل وتفحيم» (والمفهوم واضح تشحيل الأشجار الذي له فوائده المنطقية في الحفاظ على البيئة ومنع الحرائق وتفحيم ما ينتج عن التشحيل)، وتحدّد في الترخيص كمية الأحطاب الناتجة بالطن وتستوفي الإدارة الرسوم على أساس ذلك التخمين، إلاّ أنّ هذه المجموعة تقوم بقطع كلّي ممنهج للأراضي التي تدخلها مما يؤدّي إلى تصحّرها، خاصةً أنّها منطقة تكثر فيها قطعان المواشي التي تمنع إعادة إنبات الأحراج المقطوعة.
مختار بلدة مسرح جورج ابراهيم اشار الى ان «العاملين في التفحيم لا يلتزمون بالتراخيص المعطاة لهم، إذ تقضي التراخيص هذه بتشحيل الاشجار وتفحيم الحطب المقطوع منها بل يتخطونها للقضاء كليا بهدف تحقيق الارباح».
المهندس شارل ابراهيم من بلدة مسرح يقول: «مجزرة بيئية كبرى تحصل في البلدة وجوارها وهي مستمرة منذ 5 أو 6 سنوات ومراجعاتنا متكررة لدى المسؤولين من دون اي نتيجة. هناك 600 ألف متر مربع من الأحراج تم القضاء على 300 ألف منها ولم يبق منها الا حديقة منزلي!». واضاف: « ما يحصل في البلدة يمكن وصفه بالكارثة البيئية ونحاول إيقافها ولكن صوتنا لا يصل. عمليات قطع تتوقف لفترة ثم تعود بموجب تراخيص عشوائية من دون متابعة أو مراقبة. وما لمسناه أنه هناك عملية تواطؤ ولا ندري من هو الرأس المدبر. لقد قضوا على أجمل المواقع والاحراج وقطعوا اشجارا يبلغ عمرها أكثر من 100 سنة. إنها جريمة عن سابق تصور وتصميم. والمؤسف أنهم أقاموا مخيمات لهم مع عائلاتهم وأولادهم ينامون هنا في الاحراج حيث يعملون، يأكلون ويشربون ويعيشون داخل الخيم».
استباحة أملاك المغتربين
اللافت في الموضوع، أن هناك مغتربين من اصحاب العقارات ومنهم من آل خيرالله في الولايات المتحدة الاميركية رفضوا مرات عدة الموافقة على تضمين أرضهم التي تبلغ مساحتها 35000 متر، وإذ يُبَلَّغون حيث هم أن هناك مساحة 22000 متر منها أصبحت من ضحايا مافيات التحطيب!
المحامي رولان حردان تقدم بشكوى لدى النيابة العامة الاستثنائية باسم عائلة خيرالله وتم تعيين حارس قضائي بعد المباشرة بالتحقيق.
ويقول المحامي حردان: «يبدو أن هناك مافيا متمرسة في عمليات الاحتيال وحلق الاحراج لأن ما يحصل ليس تشحيلا أو تشذيبا لحماية الاحراج من الحرائق بل هو قطع شامل. والعاملون في التفحيم يضمنون الارض ويحصلون على الترخيص في عقار معين ثم ينتقلون الى عقارات مجاورة تعود إما لمغتربين ومهاجرين وإما لمصارف لا يحضرون الى أرضهم». واشار الى أن «كل دونم أرض يعطي 1000 طن من الحطب وهناك 200 ألف متر مربع من الأراضي التي تم قطع أشجارها. لم يتركوا شبرا واحدا الا واقتحموه. وذلك لا يمكن أن يحصل لولا تغطية وتدخل جهات فاعلة ستكشف عنها التحقيقات. ولن نتراجع عن متابعة هذا الملف حتى النهاية لكشف هويات المتورطين».
ووزع حردان عناصر العمل في هذا القطاع بين عدد من المستفيدين من تجارة يتعدّى حجمها مئات آلاف الدولارات سنوياً ومجموعة متعهّدين وسماسرة تجلب المختصين من قرى عكّار والضنّية بالمشاحر وقطع الأحطاب وتؤمّن لهم التغطية الشرعية عبر رخص يستعملونها بأساليب ملتوية للإنطلاق من العقار موضوع الرخصة الى المنطقة المجاورة لارتكاب المجازر البيئية إضافة الى مجموعة العاملين في القطاع الذين لا يطالهم القانون كونهم يصنّفون كعاملين يوميين لم يرتكبوا فعلاً يعاقب عليه».
ماذا تقول محاضر التحقيق؟
وحسب التحقيق، يروي حردان سير العملية بدءا من الاستحصال على ترخيص قانوني في أحد العقارات بأسماء متعهّدين أو أسماء وهمية للتغطية أحياناً، ويمتدّ قطع الأشجار من هذا العقار موضوع الترخيص إلى عقارات أخرى شاسعة. ويقول: «في بلدة مسرح وهي قرية مثال في هذا الموضوع ضمن سلسلة قرى طالها القضاء على الغطاء الطبيعي، تمّ الاستحصال على رخصة في احد عقارات مسرح مساحته صغيرة جدّاً ومنه امتدّ قطع الأشجار الى العقارات المجاورة وهي ملك أشخاص غائبين، مهاجرين، أو مصارف. هكذا يستفيد مرتكبو هذه الأفعال الجرمية من بعض المواقع التي يعملون فيها حيث تمّ قطع كامل للحرج الممتدّ بين كنيسة بلدة مسرح والنهر الذي يفصل قضاءي جبيل والبترون عن بعضهما البعض لأنّه لا يظهر من قضاء البترون لا بل من قضاء جبيل (حسب ما ورد حرفياً في محضر التحقيق)».
ويشير الى بعض الأصوات المسؤولة عن قطاع الأحراج والتنمية الريفية التي تبدو كصوت صارخ في البرية بسبب الضغوط التي يتعرّض لها كل من يحاول مقاومة هذه المافيا. مثال على ذلك، حين طلب أحد المدّعين ضبط أحطاب وفحم تمّ قطعها وتفحيمها من أرضه دون موافقته وعلم بمكان وجودها، جرى ضغط لا بل اتّصالات من أعلى المديريات في إحدى الوزارات المعنية بأنّ البضاعة موجودة لدى شخص يحمل ترخيصاً في إحدى القرى ما لا يمكن معه تحديد مصدرها وبالتالي وقف سير الإجراءات التي تحفظ حق المشتكي وأقلّه تساهم في ردع الفاعلين».
واستغرب «وجود عبارة ترد في محاضر التحقيق التي تجريها القوى الأمنية ومآمير الأحراج: وإنّ المدّعى عليه قد اعتاد على الاعتداء على أراضي الأوقاف الحرجية وقطعها بالكامل».
ولا يستبعد حردان وجود اشخاص يسهلون أمور المرتكبين عبر إرشادهم إلى العقارات التي سافر أصحابها الى الخارج بفعل الهجرة في الحرب أو ما قبلها، والأراضي التي تعود لجمعيات مصرفية أو أشخاص لا يزورون أرضهم إلاّ كل بضع سنوات، وكذلك تبيّن تورّط عدد من أعضاء لجان الأوقاف في تضمين الأراضي دون وجه حق وبطريقة سرية بدون معرفة الجهات الكنسية المختصة.
يتم قطع أحراج ومساحات شاسعة عائدة للأوقاف في بضعة قرى، ورغم الشكاوى المتتابعة وملاحقة الموضوع لدى النيابة العامة الاستئنافية في الشمال وتحرّكها السريع، ورغم الجولة التي قام بها مأمورو الأحراج على مسرح والقرى المجاورة وتنظيم محاضر ضبط بقطع مئات الأطنان في مهلة شهر واحد، ما زال صوت المناشير مسموعاً بشكل يثير الغضب والحزن معاً، ودخان المشاحر يتصاعد سحابات فوق الأراضي كأنّها تقول أنا هنا والكل عاجز عن ايقافي، وتنتشر الخيم في الأراضي المغتصبة.
من ملف التحقيق ايضا أنه «لدى تقديم آل خيرالله شكوى قطع أشجار وتعدّي تمّ طرد ورشة المدّعى عليه من الأرض الخاصّة بهم وإبلاغهم بتعيين أحد أصحاب الأرض المعتدى عليها حارساً قضائياً بقرار صادر عن المدّعي العام في الشمال الأستاذ غسان باسيل، ما يعني عدم جواز سحب أي كيس فحم أو حطب من الأرض، إلاّ أنّ الورشة ما زالت تعمل في القرية على تلّة مشرفة ومطلّة وظاهرة للعيان من عدد من الطرقات العامة. نتيجة لذلك قامت الورشة المذكورة بسرقة الحطب المقطوع وأكياس الفحم من العقار في مخالفة للقرار القضائي، ما يشكّل جرم السرقة ومخالفة القرار ما له دلالات كثيرة أهمّها عدم خوف المعتدين من الاجراءات القضائية وتمتّعهم بحماية من نافذين أو سياسيين».
فرض التسويات كأمر واقع
من هنا يبدو الاستهتار بالقوانين واضحاً كون العقوبات لم تعد تشكّل رادعاً بسبب التدخّلات السياسية وضغوطات النّافذين المستفيدين من هذه المافيا.
ويلفت حردان الى «تعدّد الجرائم التي ترتكب في هذا الإطار في ظل الهجمة على القضاء، فهي تبدأ بالاحتيال الذي يمارس على الناس الذين يقومون بإجراء تسويات بعد أن يصبح قطع أراضيهم دون موافقتهم أمراً واقعاً. فالتفاوض مع الفاعلين يدور في رأيهم حول عدم إمكانية إعادة الأشجار المقطوعة إلى سابق عهدها وبالتالي تصبح التسوية مفروضة لأنّ الملاحقة القانونية لا تفيد بشيء في ظل عدم قدرتها على ردع الفاعلين. تقوم بعض الجهات بتزوير في الوقائع أو في المستندات، فبعض الأشخاص يمتهنون إنجاز معاملات الترخيص بأسماء وهمية هي في الحقيقة غطاء للمافيا المستفيدة. يقوم هؤلاء الأشخاص بتضمين أراض لا تعود لهم لا بل لأشخاص غائبين أو أوقاف أو مصارف ويقبضون المبالغ المالية مقابل تغطية الموضوع محلياً وبواسطة بعض عناصر القوى الأمنية المشتركة».
كيف يحصل الاحتيال؟
قام دير مار شليطا – ميفوق بتضمين حرج عائد له في منطقة صغار العقارية واستحصل الضامن على ترخيص بمئة طن، إلاّ أنّ الدورية التي قام بها مأمورو الأحراج بإشراف من إدارتهم المختصة قدّرت الكمية المقطوعة من الأرض التي قصّت أشجارها بشكل كلّي بحوالي 800 طن على الأقل. ورغم أنّ الدير قد قبض بدل تضمين الحرج، إلاّ أنّه بالتأكيد لا يعلم خطورة المجزرة التي ارتكبت.
كذلك تمّ قطع أرض تعود لوقف دير سيدة بشوات في المنطقة العقارية ذاتها بدون علم الوقف أو كاهن الرعية بسبب تعدٍّ ناجم عن امتداد القطع من عقار مرخّص إلى عقارات أخرى في ظل المعلومات التي يحصل عليها المنتفعون بأنّ هذه العقارات بعيدة عن أعين مالكيها.
تمّ تضمين أراض وقفية دون موافقة لجان الوقف، وبعد إبلاغ السلطات الكنسية بحصول التعدّي بمساحة معيّنة عن طريق الخطأ كما قيل، عرضت تسوية بقيمة 18 مليون ليرة علماً أنّ المبلغ الذي دفعه الضامن يبلغ بحسب محاضر التحقيق الرسمية 36 مليون ليرة، لكنّ الايجابية في الأمر أنّ السلطة الكنسية المعنية لم توافق على التسوية بإيمان منها بالثروة الجمالية للقضاء ولجزمها المتكرّر بالحفاظ على الغطاء النباتي فيه.
رفض أحد المخاتير توقيع طلب ترخيص للتشحيل بسبب النقمة التي قامت بعد قطع مساحات شاسعة ولكنه تحت الضغط عاد ووقع وما لبث صاحب المعاملة أن نال مبتغاه وحصل على ترخيص قانوني لارتكاب جرائم القطع والتعدّي!»
العقوبات البسيطة والحلول
من هنا يتبين أن المشكلة الأساسية تكمن في الأشخاص الذين يعطون التراخيص حيث تصعب ملاحقتهم، وفي حال حصول الملاحقة تكون العقوبة بسيطة حيث أنّها في حدّها الأقصى تبلغ ثلاثة أشهر سجنا، فالمرتكب الذي أصبح معروفاً في البترون سجن 21 يوماً ما اعتبره المعنيون إنجازاً لهم، وتبقى المبالغ المادية التي يستفيد منها أكبر من المدفوعة منه كتسويات مع المعتدى عليهم حيث تتوقّف الملاحقة.
أما الحل فيكمن في وقف التراخيص حالياً بشكل كلّي وايجاد آلية محدّدة تقضي بإعطاء تراخيص لأشخاص كفوئين يشبه إعطاء تراخيص البناء التي يتحمّل مسؤوليتها المهندس المسؤول، وهكذا تعطى إلى مهندس زراعي يتعهّد بالتزام الحدود العقارية وبكيفية تشحيل الأشجار ويتحمّل نتائج أي مخالفة أو جرم مرتكب.
المجزرة مستمرة للقضاء على ما يميّز قضاء البترون، والجريمة التي بدأت منذ ثلاث سنوات، قضي خلالها على ملايين الأمتار الحرجية، الأمر الذي يظهر بوضوح عند مشاهدة صور الغوغل ان المجازر مستمرّة ورائحة المشاحر تنبعث من الوديان والطرقات بدل رائحة الأرض المباركة.
سوء تنفيذ مضمون الترخيص
كيف يتم تنفيذ مضمون التراخيص؟ بحسب حردان: «يستحصل العاملون في هذا القطاع على رخص «تشحيل وتفحيم». والمفهوم واضح تشحيل الأشجار الذي له فوائده المنطقية في الحفاظ على البيئة ومنع الحرائق وتفحيم ما ينتج عن التشحيل، وتحدّد في الترخيص كمية الأحطاب الناتجة بالطن وتستوفي الإدارة الرسوم على أساس ذلك التخمين، إلاّ أنّ هذه المجموعة تقوم بقطع كلّي ممنهج للأراضي التي تدخلها ما يؤدّي إلى التصحّر خاصةً أنّها منطقة تكثر فيها قطعان المواشي التي تمنع إعادة إنبات الأحراج المقطوعة.
جرائم الحياة البرية سنوياً: كلفة قطع الأشجار غير القانونية تصل إلى 100 مليار دولار
بينما يتحضر المجتمع الدولي لأهم لقاء رفيع المستوى سيتجلّى في انعقاد جمعية الأمم المتحدة للبيئة الشهر القادم، بحضور وزراء ومسؤولي 193 دولة للبحث في المستجدات ذات التأثير الشامل على الاوضاع البيئية الاقتصادية والامنية والمعيشية، تأتي ورشة العمل التي اعدتها الهيئة العامة للبيئة في الكويت حول انفاذ التشريعات البيئية وتعزيز قدرات شرطة البيئة للحد من الجرائم البيئية التي تطال الأمن الانساني بدعم من برنامج الامم المتحدة للبيئة.
الدكتور اياد ابومغلي الممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أكد على وجوب الالتزام بتطبيق الاتفاقيات الدولية، معتبرا أن الاتجاه الحديث في الفقه القانوني الدولي يمنح الإنسان الحق في بيئة صحية ملائمة، وذلك لا يتحقق بعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية وبالانضمام والتوقيع عليها فحسب، وإنما بتطبيق هذه المعاهدات واتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والتنظيمية لتنفيذ ما ورد بها من نصوص ومواد، لكي تأخذ الصفة القانونية الإلزامية بما يضمن قوة تطبيقها بدلا من كونها توصيات غير ملزمة.
تركزت محاور ورشة العمل حول اهمية سن التشريعات البيئية، بهدف الحد من الجريمة البيئية التي تعتبر في الوقت الحالي واحدة من أكثر أشكال النشاط الإجرامي ربحية. اذ تُقدِّر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) أن قيمة جرائم الحياة البرية على النطاق العالمي تبلغ مليارات الدولارات سنويا. وعلى سبيل المثال ايضا، تُقدَّر القيمة الاقتصادية لقطع الأشجار غير القانوني على النطاق العالمي، بما في ذلك تصنيع الأخشاب، بما يتراوح بين 30 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، أي حوالي 10 إلى 30 % من التجارة العالمية في الأخشاب.
وتشمل الجرائم البيئية كذلك، قائمةً واسعةً من الأنشطة غير المشروعة، كالاتجار غير المشروع في الحياة البرية الذي اتخذت مكافحته حيزا مهما في وطننا العربي بعد ما شهد ازدهارا غير مسبوق خلال السنوات الماضية؛ اضافة الى التجارة غير المشروعة في النفايات الخطرة، خاصة ان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد حذر ضمن تقرير «جريمة النفايات… مخاطر النفايات» الصادر عام 2015، من وجود ثغرات في التصدي لهذه التجارة؛ وكذلك تهريب المواد المستنفِدة لطبقة الأوزون؛ وصيد الأسماك غير المشروع وغير المنظم وغير المبلغ عنه؛ وقطع الأشجار غير المشروع وتجارة الأخشاب.
ومن منطلق تبادل الخبرات وتقديم المشورة الفنية، يقدم برنامج الامم المتحدة للبيئة عرضا يتضمن شرحا قانونيا مفصلا للتشريعات البيئية، كما يتطرق الى الوثائق الدولية التي تنادي باللجوء الى العدالة في المسائل البيئية، ويعرض لدوره كسلطة بيئية هي الاعلى عالميا، في تقديم الدعم للحكومات من أجل تنفيذ القانون البيئي، ووضع الاستراتيجيات والآليات والتشريعات الوطنية.
قامت الأمم المتحدة بإبرام العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية للحفاظ على البيئة، لحماية صحة الإنسان والحفاظ على الموارد البيئية المختلفة، وفي هذا الإطار بلغ عدد المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال البيئة 152 اتفاقية دولية ومعاهدة، هذا بخلاف الاتفاقيات الثنائية والإقليمية.





