الكلمة التي شاركها الأب ميشال عبود خلال سهرة أخوية جمعته مع عدد من مسؤولي الجمعيات، ورؤساء بلديات سابقين، ومخاتير، وكهنة، وضباط متقاعدين. وقد شارك كلٌّ من الحاضرين خبرته ومسيرته، فتحدّث بعضهم عن مرارة نكران الجميل التي واجهوها، فيما عبّر البعض الآخر عن شكرهم لله الذي منحهم فرصة القيام بالخير وخدمة الناس.
وفي خضمّ هذا الجوّ الصادق من المشاركة، طلب الحاضرون من الأب عبود أن يكتب الكلمة التي ألقاها، لما لامسَت في قلوبهم، وها هو يقدّمها كما شاركها:
وكما يؤكّد القديس يوحنا للصليب:
“الجمرة التي تشتعل وحدها تنطفئ”.
جميل أن نتشارك الأفكار، لأن في المشاركة حياة، وفي العطاء تجدّد، وفي اللقاء قوّة تُلهِم وتُضيء الدرب.
وهذه الكلمة التي وجّهها الاب ميشال عبود، رئيس رابطة كاريتاس لبنان، الى من يعملون في الحقل الاجتماعي والشأن العام ما يلي
كما يسيرُ الجنديُّ والمناضلُ في المستنقعاتِ والغابات، ويتعرّضُ لأخطارِ لسعِ الحيّات، ويشمُّ روائحَ كريهةً من هنا وهناك، ويسيرُ في الأوحالِ الثقيلة، يُكملُ طريقَه غيرَ آبهٍ بما يواجهُه، لأنَّ عينَهُ على الهدفِ، وقلبَهُ مشدودٌ إلى الغايةِ التي من أجلِها خرجَ إلى المعركةِ. وإن قرَّرَ التراجعَ والعودةَ في منتصفِ الطريقِ تعبًا أو يأسًا، فإنّ العودةَ لن تكونَ أهونَ من الاستمرار، بل لعلّها تكونُ أشدَّ تعبًا وأقسى، لأنّه سيتكبَّدُ ألمَ المسيرِ مرّتَين، دون أن يبلغَ المقصودَ أو يحقِّقَ الرسالة.
هكذا هو حالُ من يعملُ في الحقلِ الاجتماعيِّ والإنسانيّ. فهو يسيرُ في طريقٍ مليئةٍ بالتحدّياتِ والآلام، ويسمعُ رائحةَ الكلامِ البذيءِ، ويتلقّى طعناتِ الانتقادِ القاسي، ويُقابَلُ أحيانًا بالنكرانِ بدلَ الامتنان، وبالظلمِ بدلَ التقدير. وقد تصدرُ هذه الطعناتُ من حيثُ لا يتوقّعُ: من أهلِ البيتِ، من الأصدقاءِ، من الزملاءِ، من الذين كان يُنتظرُ منهم أن يكونوا السندَ والعون.
ألم يقلِ المسيحُ: «ها إنِّي أُرسلكم كخرافٍ في وسطِ الذئاب» (متى 10: 16)؟ ألم يُحذِّرْنا أيضًا: «أعداءُ الإنسانِ أهلُ بيتِه» (متى 10: 36)؟ نعم، فالذي كان يُفترضُ أن يكونَ عضدكَ في الطريقِ، قد يتحوّلُ إلى مصدرِ ألمٍ وحيرة.
لكنَّ هذه الحقائقَ لا تُسقطُ من عزيمتِنا، ولا تُخمدُ نارَ الرسالةِ في قلوبِنا. بل تدفعُنا إلى التمسُّكِ أكثرَ بروحِ الدعوةِ، وإلى الثباتِ في المسيرة، لأنَّ العملَ الاجتماعيَّ الصادقَ ليسَ نزهةً، بل جهادٌ يوميٌّ، يحملُ في طيّاتِه مجدَ الخدمةِ وآلامَها، ويقودُ في النهايةِ إلى فرحِ العطاءِ ونُبلِ الرسالة.
فطوبى لمن يُكمِلُ الطريقَ رغمَ الجراح، ويصمدُ رغمَ الغدر، لأنَّه بذلك يشاركُ المسيحَ في صليبِه، ويبلغُ معهُ إلى فجرِ القيامة.
الاب ميشال عبود الكرملي