إجتماعالصفحة الرئيسيةخبر عاجلمتفرّقات

عودة في وداع جوزف عسيلي: نتذكّره رجلاً أحبّ الله والإنسان والخير والجمال

 ودّعت الكنيسة الأرثوذكسية ومنطقة الأشرفية وآل عسيلي رجل البر والإحسان الرئيس المؤسس لمركز سرطان الأطفال في لبنان رجل الأعمال المغفور له جوزف وليم عسيلي في مأتم حاشد مهيب أقيم في كاتدرائيّة القديس نيقولاوس في الأشرفية بمشاركة شخصيات سياسية وحزبية  وقضائية ونقابية وعسكرية وإجتماعية.

رأس الصلاة لراحة نفسه متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة يحيط به لفيف من الكهنة.

وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران عودة كلمة رثى فيها الفقيد متحدثًا عن أعماله الإنسانية والإجتماعية وعن تعلقه بعائلته ووطنه وبأعمال الخير والإحسان، وقال: “باسم الآب والابن والروح القدس، آمين.

يا أحبّة، نجتمع اليوم على رجاء القيامة والحياة الأبدية التي وعد بها الرب يسوع كل من يؤمن به، لنودّع زوجاً وأباً وأخاً.
نقف بخشوع أمام سرّ الموت، ذاك الباب الذي يعبره كل إنسان تاركاً عالم الزوال إلى عالم البقاء، منتقلاً من ظلمة الأرض إلى نور وجه الله.
الموت، كما يعلّمنا الآباء القدّيسون، ليس نهاية بل عبور.
يقول القدّيس أثناسيوس الكبير: «الموت لم يعد مخيفاً بعدما وطئه المسيح بموته، بل صار كالنوم المؤقت الذي ينهض منه الإنسان إلى حياة لا تفنى.»

اليوم، فيما نودّع أخانا جوزف الذي أكمل مسيرته على الأرض، نتذكّره رجلاً أحبّ الله والإنسان والخير والجمال، فحمل في قلبه رحمة واسعة امتدّت إلى الذين يتألّمون، خصوصاً الأطفال الضعفاء الذين أنهكهم المرض. إنّ سلوك جوزف شهادة حيّة على عمل النعمة في قلب إنسان جعل من حياته بذرة محبّة تثمر في حياة الآخرين.

لقد ساهم في تأسيس مركز للعناية بالأطفال المصابين بالسرطان، وكأنّه أراد أن يبلسم بالرجاء جراح الطفولة المتألّمة، وأن يجعل من كل وجع صلاة، ومن كل طفل مريض أيقونة للمسيح المتألّم.
هنا نتذكّر سيرة القدّيس يوسف خطيب والدة الله العذراء، الذي سلّمه الله أثمن ما في السماء والأرض، أي الطفل يسوع وأمّه الطاهرة.
يوسف لم يطلب مجداً ولا كلمة شكر، بل خدم بصمت وإيمان وطهارة وحنان، وهذا ما حاول جوزف فعله عبر العناية بالطفل المريض وأهله.

لا يستطيع الموت أن يطفئ نور المحبّة.
يقول القدّيس يوحنّا الذهبي الفم: «ليس الموت ما يُخيف، بل الخطايا التي ترافق الإنسان إلى ما بعد الموت.»
أمّا الذي عاش بالمحبّة، فإنّه لا يموت لأنّ المحبّة هي الله.
يقول الإنجيل في يوحنّا: «فلنحبّ بعضنا بعضاً أيها الأحبّاء، لأنّ المحبّة من الله، وكلّ محبّ مولود من الله ويعرف الله. من لا يحبّ لا يعرف الله، لأنّ الله محبّة.» (1 يو 4: 7–8).

لقد أحبّ جوزف وطنه لبنان حبّاً صادقاً، وبعد أن قضى سنين طويلة في الغربة عاد إلى أرضه الجريحة ليساهم في نهضتها وزراعة الأمل في القلوب.
في زمن يئس فيه كثيرون، اختار هو أن يعمل ويخلق فرصاً ويجمّل ما قد تهدّم، ويقدّم صورة عن لبنان القادر على القيامة بعد الصليب.
لقد أحبّ الجمال على أنواعه، لا كترف خارجيّ، بل كإيمان بأنّ الجمال الحقيقي هو انعكاس للجمال الإلهي.
يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي: «النفس التي تتأمّل في الجمال الإلهي تشتعل بالشوق إلى الخالق.»
هكذا كان جوزف يرى في الجمال طريقاً نحو الله، وامتداداً للمحبّة الإلهية غير المحدودة.

يا أحبّة، في لحظات الحزن تتسرّب إلى القلب أسئلة كثيرة: لماذا الموت والرحيل؟ لماذا يختطفنا الألم من الذين نحبّهم؟
لكن الإيمان يهمس في داخلنا بما قاله الرب لمريم ومرتا عند قبر أخيهما لعازر: «أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا.»
المسيح لم يأتِ ليبطل الموت الجسدي، بل ليحوّله إلى باب للحياة الجديدة.
والذين عاشوا الرحمة على الأرض تُفتح أمامهم أبواب رحمة الله في السماء.
قال القدّيس يوحنّا السلّمي: «الرحمة هي ابنة الله التي تفتح للرحماء أبواب الملكوت.»

جوزف يستريح الآن من أتعابه، «وأعماله تتبعه» كما جاء في سفر الرؤيا.
إنّ أعماله من محبّة ورحمة تسير أمامه كشهادة صادقة على أنّه كان ابناً للآب السماوي، وشريكاً في خدمة الحياة.
لذا لا يسعنا اليوم إلا أن نطلب إلى الرب أن يريح نفسه حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهّد، بل حياة لا تفنى، وأن نتمسّك بإيماننا بالقيامة ونترجّى الحياة الأبدية، عاملين من أجل الوصول إليها، لأنّها لا تُعطى إلا للمستحقّين.
آمين.
وبعد الصلاة ألقى السيد فيليب فياض كلمة العائلة، كما ألقت المديرة العامة لمركز سرطان الأطفال السيدة  هنا شعيب كلمة المركز، فتحدثا عن جوزف عسيلي الإنسان الذي ما نبض قلبه إلا محبة وإنسانية لخدمة الإنسان كل إنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى